السبت، 30 مارس 2013

ماذا لو.....

   الكادر الأول:
(صورة بعيدة تجمع بين ثناياها أشلاء الموقف ككل، اللون الأزرق هو اللون الوحيد المضطرب في المشهد)
رجل مجنون يجلس على الرصيف المجاور لجسدها الخاوى من أى تركيز إلا تركيز الوصول إلى العمل بأسرع وقت ممكن لتلافى أكبر قدر من التوبيخ، بينما  يُسلي هو وقته برشق الطريق بكسر زجاج أزرق اللون! لا يمكن إنكار مدى نجاحه في تكوين لوحة لطيفة على أرض الطريق مستغلاً صفحته الرمادية الرتيبة! لم تُفهم وجهة نظره في ذلك، و لكنه -و لحظه الوافر- غير مضطر لتقديم أي تبريرات ,يكفيه كونه مجنون!

كان واجبها اليومي الغير محبب لعملها بالبناية المجاورة له يحتم عليها المرور أمامه فى سلام وسكينة ودون لفت لإنتباهه المشتت بالأساس، لكن هذه المرة وعلى غير عادة تملكها الخوف من أن يرشقها بزجاجه الملون الأخآذ وينقل لوحته الزرقاء إلى جسدها المرهق .
هذا الإحتمال الأوحد كان كافيا ليصيبها بشلل دماغي مؤقت ,فلا تنجح فى التركيز على أي شيء سوى هذا الإحتمال الوارد وبشده ، وما جعل الأمر جديرا بالأرتياب هو ارتدائها للون الرمادي، ولكن بدرجة أكثر عمقًا،  ولا تعلم إن كان في منظوره سيفرق بين درجة لون ملابسها والأرضيه أم سيرى به خامة جيدة كخلفية للوحته الزرقاء.
لم تكن مجنونة يومًا،فعقلانيتها تلك جعلت منظورها قاصر لتوقع فاعليات الحدث بعقله وبالتبعيه توقع ردود أفعاله، وهذا كاف ليصيبها بإضطراب أكبر وأكبر!

في كل الأحوال لن يلومه لائم، فهو مجنون وهي عاقلة، وان كان هنالك ملام فى هذه اللقطه فلا هروب من ان يكون هي ,بعقلها البراق هذا فكيف لها مواجهة مجنونً دون إحترام مشتقات عقله الغير ملم بعالمنا.

الكادر الثانى:
 
(صورة مقربة ليديها المرتعشتين ولا زال اللون الأزرق هو اللون الوحيد المضطرب في المشهد، هذه المرة هو لون طلاء أظافرها مصرى الصنع ردىء الهيئه)

كانت مضطرة للمرور احترامًا لقوانين عملها، بينما كان هو مضطرا لأن يرشق الطريق بالزجاج لسببٍ ما لا تعلمه و لن تعلمه، ولكنه سبب عميق الصدق بداخله ليعينه على كل هذا الحزم والوتيرة المنتظمة في فعل الرشق هذا!
خوفها من نهايات المشهد المتوقعة جعلها تستحضرها بعين حية وتعيش لقطاتها بصدق بالغ,جميعها كانت احتمالات مرعبة وجميعها كانت تندرج تحت قانون "ماذا لو"!
ماذا لو رشقها بزجاجه الملون!
*ستصاب معدتها لان هذا هو مستوى يديه الافقى بينما هو جالس على ركبتيه على ارض الشارع !
*ستصاب راسها لو قرر لسبب غير ملمه به أن يرفع زاوية ذراعه لأعلى قليلا !
*ستصاب عيناها !وهذا احتمال ضعيف لكونها تواجهه بنصف ملامحها ,لكن وان حدث فستودع جراء هذا القرار عينها اليسرى!باركها الله وبارك حارسها !

*ستصاب قدماها لو قرر بلحظه ما لا اعلم متى ان يرشقها بزاوية منفرجة البداية حاده النهاية ماسة للارض !
وهذا الاحتمال الأخير كان الأكبر توقعا,وهذا من الدراسة التحليلية لزاوية غضبه، والتى توصلت لها في الدقيقة السابقة لمواجهته بينما كانت في أول الطريق وهو في منتصفه! فهي دراسة قليلة المدة غير جديرة بالثقة، ولكن هذا ما تملكه وستتعامل معه على أي حال!


الكادر الثالث:
(صورة مقربة لعينيها ترمقانه بتوسل، واختفى تلك المرة اللون الأزرق من الصورة، فعيناها رماديتان تقتربان من السواد)
ماذا لو لم يرشقها بزجاجه!
*ستمر بسلام داعية له !
*ستمر بسلام مبتسمة له وستحمد ربها كثيرا !
* ستمر بسلام و..... الأهم كونها ستمر بسلام !
نظرت له برعشة خوف كونها غير أكيدة من أي توقع سابق، لكن الغريب كونه ابتسم لها ورفع يده ليحييها بود . رفعت يدها بالتبعية الفطرية وحيته، وببسمة بسيطة مرت بسلام!

الكادر الرابع:
(صورة بعيدة لها تلتفت إليه بعد أن مرت ولا زالت تقبض بيدها ذات الطلاء الأزرق علي حقيبتها في توتر)

كانت النتيجه لكل احتمالتها السابقه ان تصب عليه كامل غضبها رغم إحترامها من كونه مجنون , لكن ما حدث جعلها تصب لعناتها على عقليتها المحللة السمجة تلك ,فها هي تتلوى نفسيا و تتعذب تحت وطأة احتمالاتها  تلك التى لم يحدث أي منها بالأساس ,
لكن اللوم لم يتملك منها طويلا تلك المرة، فهو لم يكن متوقعًا لكونه مجنونًا ,وابتسامته لها قبل عبورها بثوان نجحت فى رفع احتمالاتها أن يلعب دور المجنون بحق ويفعل الشيء ونقيضه في نفس الوقت،فربما يبتسم لها ويرشقها بالزجاج في آنٍ واحد!
 
الكادر الخامس:
 (صورة بعيدة لهما، لا زال اللون الازرق هو اللون الوحيد المضطرب في المشهد)

بالجهة الاخرى للطريق رجل يعمل على سرفيس لنقل الركاب، لم يبدأ عمله بعد وهذا واضح لكون سيارته لا زالت فارغة. تطوع من الفراغ وتدخل في أبعاد المشهد المنحصر به وبها ونهر مجنونها وقال له: (يا مؤذي بتأذي الناس ليه حرام عليك!) لم تجد تبريرًا لموقفه هذا، فهى أيًّا كان تدخلها فهو مبرر بكونها في محيط خطره!  هو غاضب من الطريق وهذا شيء يخصه! وإن كان يؤنبه علي جهله بقانون واجب إزاحة الأذى عن الطريق فهو مجنون، والرب رفع عنه الحرج سابقًا، فمن هو ليحاسبه!

جالت بخاطرها تداخلات كثيرة قد ترفع عن مجنونها الحرج لنهر هذا الآخر له، إن كان شعر بهذا الحرج مجنونها من الأساس ،
 فهو قد أحسن إليها ومن حقه في المقابل أن ترفع عنه حرج إهانة لا يستحقها، فقد مرَّرها في سلام وصحبها بابتسامة وتحية! وإن كان ليس على وفاق تام مع الطريق فلا زال هذا شىء يخصه ولن تعلم به وإن حاولت !
فقط لو علمت أسبابه لكان من الممكن أن تتدخل لترفع عنه حرج اللحظة إن كان شعر بها أو بهذا الحرج أو بهذا الرجل السرفيسي الصباحي المعتاد أو حتى أدرك أبعاد الموقف ككل كما تراها هي
!
مشاعرها الساخطة على عدم تدخلها جعلها تستحضر تدخلات مختلفة بعين حية وتعيش لقطاتها بصدق تام، كلها كانت احتمالات ايضا مرعبة من قانون "ماذا لو"!
ماذا لو....
ماذا لو......
ماذا لو.........
حينها فقط اختلط حبل فكرها بفكره وحاولت أن تفكر بمنظوره وتتسائل عن ما يناسبه في تلك اللحظة. لم تعرف حينها من بينهما المجنون ومن العاقل، فعلى الأقل هو قرر ونفذ، أما هى فلا زالت تدرس تحليلات عقيمة لا حصر لها لن تدفعها لخطو ولو سنتيمترا واحدا للأمام كان أو للخلف!
ماذا لو....
ماذا لو......
ماذا لو.........
ماذا لو.........
علمت حينها ولأول مرة كم هب تستحق الشفقة وليس هو إطلاقا,هي العاقلة المحصورة داخل احتمالات تضيع فيها وقتها و تكسبها مخاوف فوق مخاوف بينما هو يقرر ليفعل دون التفات للنتائج,هو أقوى منها يفعل و يتحمل نتيجة أفعاله بينما هب تستكين فى صمت قاتل عند خط البداية ,ترى هل ستموت عند خط البداية هذا أم ستجن يوما ما مثله !
أصبح بين ليلة وضحاها مثلها الأعلى ولم تقتنع يوما ما أن يكون مثلها الاعلى مجنون بشارع متفرع من آخر رئيسي قميء!

لنك المقاله فى جريدة الوطن :)

http://www.elwatannews.com/news/details/399650

 

هناك 4 تعليقات:

تامروردة يقول...

جميلة قوي ودمها خفيف، وأعمق من اللمحة اللحظية السابقة
الفقرة التالتة والأخيرة فيهم شوية مط يتوهوا القارئ
في المجمل تسلم إيدك، النظرة الجميلة للأمور هي أحلى مافي القصة، وخفة الدم تخرج من حالة الشحن والترقب والكآبة المعتادة في وقتنا الحالي
بصراحة عايز من ده كتير :)
وسلميلي على مجنونك الجميل :)

Unknown يقول...

تحفة... نقلك للموقف وردود افعالك و خوفك اللى اصبح ابتسامة رااااااااائع عودة للتالق من جديد

Unknown يقول...

وصولك لهذه المرحلة من حساب الذات مؤلم بحجم أكبر من الافادة
و بذات القدر هو الأبداع في المشهد

الحياة بمجملها هي ذلك المجنون العشوائي دائما المتبسم أحيانا الغير مأمون على الاطلاق

أغلب مشاهد الحياة مبتورة لأننا لو رأينا نهاية المشهد كما فعلتي على اتصال.....سنأسف كثيرا و أبدعنا أكثر

heba atteya youssef يقول...

عليك سلامٌ مني، وهذا أقصى ما لدي لك مجنوني الغالي. سامحني كوني لست بمستوى جنونك الراقي، فلا زلت إنسانة أخاف الآخر بداخلي قبل من هم خارجي!

وصف اكتر من رائع ..

معبره .. صادقه.. بترسم ملامح للتناقضات ف حياتنا

تحياتي