الأربعاء، 27 نوفمبر 2013

طنط..... ام سعديه





كان يوما مرهقا من بوادره الاولى ,
-
استيقظت متأخرة عن العمل واضطررت لإرسال رسالة إلى مديرى أعتذر له عن ذلك برغم علمي أن ذلك لن يقلل من نظراته الثاقبة السخيفة لكونى تأخرت عن الحضور!

-
أعانى من بوادر برد راحت ضحيته كل قواي وأصابنى ببحه في الصوت وإحتقان في الحلق زاد من تأففى العام!

-
أدرك أن أمامى رحلة طويلة بالمترو وأنا غير مؤهلة تماما لهذه الرحلة فى هذه الحالة النفسية النكدة والتى رحت ضحيتها منذ اسبوعين على أقل تقدير, لكني أدرك أيضا كونه آخر الشهر وما تبقى لي من أموال لا يؤمن لي رحلة سوية في عربة أجرة خاصة تنجو بى بعيدا عن هذا الكم من البشر في المترو, المستنزفين لمساحتي البشريه وطاقتى المحدودة أساسا!
كما لا أستطيع  استبعاد مدى سوء حركة المرور الذي سيبب لي مزيدا من التأخير ومزيدا من العصبية كذلك !

لا داعى لااااا داعى...........
....
...
..
.
جلست لقليل من الوقت على حافة السرير أفكر بشيء واحدأن أكافىء  نفسي على عمل لم أقم به بعد وهو (أن أنحشر بين كل تلك الأجساد الرثة في المترو) وعليه قررت أن أتصالح مع تأخيري المسلم به وأن أتمتع بحمام صباحي دافىء حيث أن أخى الوحيد نائم والشقة متسعة لي تماما إعمالا بالمثل الشعبى السعيد (ضربوا الأعور على عينه قال خسرانه خسرانه!)

كانت هذه المكافأة الصغيرة مرضية  جدا لي فملمس الملابس على الجسد المندى أيقونة مرضية جدا لى كما أنني غارقة في حب غسول الجسد الخاص برائحة الخوخ السعيد.

غادرت المنزل مرتلة اذكار ترك المنزل وذهبت دون أدنى خطط ليوم مختلف سوى أنى سأفعل كل ما استطعت لأصل المكتب في أسرع شكل ممكن وبعدها فليكن ما يكون ,نزلت إلى شارعنا الهادىء حيث رحل معظم الناس إلى عملهم وتركت هنا وحيدة سعيدة إلى حد كبير بهذه الوحدة فطاقتى تكفينى على مضض منها  , لا اقوى على رد السلام بصورة لائقة ولا اقوى على الابتسام طيلة الطريق  لجيراننا المطلين من الشبابيك او المغادرين الى عملهم او ما الى ذلك.

..................

كان كل هذا تقليديا ومتوقعا ورتيبا لكونه يوميا جدا لا يحتوي أي اختلاف ملفت, حتى التقت عينانا انا وطنط (ام سعدية) والتي لم أفكر يوما ان اسأل عن اسمها الحقيقي فهذا بعرفها إهانة, هى ام سعدية فقط ولا اكثر!

هي أمرأة لا أعلم عنها الكثير سوى كونها في عمر جدتى وربما تفوقها بسنوات قليلة , توفي ابنها هاني في الجيش في عمر الزهور حين كنت انا في العاشرة ,لا زلت اذكر هذا المشهد وكأنه بالأمس حين أطليت من الشباك بخوف وحيرة فقد علت الصيحات وصوت النحيب كان كافيا لإيقاظه هو الغائب عن عالمنا في اغلب الظن ,احضروه الي شارعنا ملفوفا بملائة وقد تحول جسده مرسوم العضلات باسم الملامح  إلى قطع  صغيرة, فقد انفجر به لغم اثناء التدريب في الجيش وما باليد حيلة كانت الكلمة المحددة للحدث ككل !

كان الاجمل بين أبنائها الاربعة ولا أنكر كونه في مرحلة مراهقة متقدمة لدي كان صورة بليغة لفتى الأحلام ذي البسمة الساحرة والجسد المرسوم والروح المرحة , لكنه مات !

تخلصت والدته من مرحلة النحيب سريعا وهذا لكونها جنت  بمعني الكلمة وصارت تحدث طيفه وتبتسم له وتحاوره طويلا فى حضورنا او فى غيابنا !

لم تنسى ام سعدية مع مرور العمر امر هاني فتاها المدلل،وهكذا لم انس السؤال عنها كلما سنحت لي الفرصة, ام سعدية وجدتي هما الوحيدتان اللتان احرص على تقبيل يديهما حتى الأن ولا سبيل لدي لأنسى ذلك ايا ما كان انشغالي او او او!

...........................................

بينما انا اسير مطأطئة الرأس ماقتة على امور كثيرة, يحيط بهالتى شبح الضيق والغم والنكد،التقيت بطنط (ام سعدية!)
تفكرت كثيرا ان كلمه طنط الإفرنجية هذه لا تتوافق مع كلمة(ام سعدية)بما تحتويه من رائحة بنت بلد جدعة أفنت عمرها من اجل اولادها وراح عقلها ضحية حزنها على احدهم ,لكن لا اعرف لم اعتدت على ذلك واحتفظت به !

انحنيت اقبل يدها بإرتشاف صادق فقد فات زمن على لقائنا الأخير, ابتسمت برقي وطبطبت على رأسي وقالت بهدوء وسكينة :
 
رأيتك في الأمس تسيرين حزينة ناظرة الى الارض،كنت في الشرفة ولم أقو على مناداتك فصوتي ضعيف, لكن ظلت عيناي تراقبك حتى خطت قدماك عتبة منزلكم بينما أدعو لك بكشف الهم وسعة الرزق ،اتمنى ان تكونى استيقظتى اليوم اسعد !

- انا مندهشة لكني راضية تماما وصامته تماماااااا!

أردفت,يا ابنتي الحبيبة لا تحزني فانت جميلة البسمة فلا تبخلي على الدنيا ببسمتك,بيقولوا (اضحك للدنيا تضحكلك !)
وانت محظوظة كذلك فلديك من يدعو لك بظهر الغيب مثلي وهذه رحمة كبيرة من الله!


- انا لا زلت مندهشة لكن راضية تماما تماما تماما تماما وهكذا صامتة تماماااا !

قبلت جبيني بيدين مرتعشتين واردفت ,لا اعلم لم أتذكر هاني كلما رأيتك !
اعرف انك أحببته مثلي وقد كان يخبرني دوما كم كان يحب اللعب معك في الشارع وإثارة غضبك بحركات طفولية فتزدادين جمالا وذكاء لتثأري منه كونه اغاظك !

 
تتنهد تنهيدة طويلة ولا تزيد الا بقولها (الله يرحمه ويباركلك بعمرك وجمالك وصحتك واشوفك عروسه يا رب على حياة عينى!)

اقبلها من جديد وابتسم ابتسامة ساذجة لكونها لا تفي بكل ما اشعر به نحوها او نحو الكون ككل من رضا ,انها الطبطبة الالهية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى !

لكن لأنى متأخرة فتركتها لأمضي بعد ان وعدتها بزيارة قريبة بإذن الله نتبادل بها الحديث عن اي شيء تحبه واعرف مسبقا ان الحديث سيتمحور حول هانى فتى احلام الماضى السحيق .

.............................

اذهب في طريقى مستسلمه لرغبتى العارمة ان انظر للسماء و ابتسم واتساءل بهدوء!

*
ترى يا رب هذه رسالتك التى سألتك عنها بالامس حين كنت حزينة وتشككت فى مدى محبتك لي ومع ذلك تتركنى ضحية لإفتراس كل هذا الضيق والهم رغم إستعانتى بك!
*بالامس سالتك ان تخفف عنى وتشككت بحبك لى واليوم ترسل لى طنط ام سعدية مرسالا عنك, حيث انزلت عليها رحمتك بتنسيق كلمات محددة تسوقها الي رغم جنونها المعهود!
*ترى اتحبنى لتلك الدرجه حقا ام ان كل هذا إستدراج عقلى منى وما الامر الا مجرد صدفه ! ربما كل هذا مدرج تحت الحقيقة العلمية التى تقول ان الكون يطبطب علي إستحياء احيانا
يا رب حتى لا اطيل عليك ......
 
اعلم ان هذا جنون وربما سذاجة وربما الاقرب ان يكون طمعا كبيرا ,لكنى متشككة الى ابعد حد و انت اعلم بهذا بالتأكيد فأنت من ركبت تلك الخلطة الجهنمية المسماه انا ,لكن انا لا زلت بإنتظار علامة اخرى تؤكد لى ان طنط ام سعدية كانت علامة بالاساس!

ابتسم من جديد وانطلق بيوم اخرعارى تماما عن اى خطط  تجعله يوما مختلفا سوى انى سافعل كل ما استطعت لاصل المكتب باسرع شكل ممكن وبعدها فليكن ما يكون !لكن  هذه المره برضا تام عن كونى مررت بهذا اليوم وان كان عارى تماما عن اى خطط تجعله مختلف ,فقد حافظ على كونه مختلف لمجرد ملاقاتى لطنط ام سعديه بهذا الصباح الحانى 

 :)
http://elwatannews.com/news/details/392030
لينك المقاله فى جريدة الوطن :)

هناك 4 تعليقات:

غير معرف يقول...

تصفيق
:)
Moha_gem

غير معرف يقول...

انا متابع كتاباتك من فترة وبصراحة استفزني اني ادخل علي بورفايل الفيس بتاعك وقريت اخر كام حاجة كتبتيهم وخصوصا موضوع وجود ربنا والعلامات وازاي هو سكات علي كل اللي بيحصل رغم انه عالم وشايف زي م
بيقوله. انا كمان شغالني الموضوع ده من فترة وتقريبا قدرت اوصل بالمجهود الذاتي كده لإجابة مرضية بالنسبة ليا وهي فكرة الاختيار الحر للبشر. لو الانسان معندوش الاختيار الحر وربنا هو اللي متحكم في كل شيي من سعادة او ظلم او حتي توزيع للحقوق احنا كبشر ف النهاية هنتحاسب ازاي وايه الفايدة من وجودنا اصلا اذا كان حياتنا كلها قايمة علي فكرة الاختيار الحر.
احنا ليه بنفكر ف موضوع ان كل شيء ربنا كاتبهولنا بالبساطة والسذاجة دي. عارفة كتاب هاري بوتر لما في كل موقف تلاقيه مديكي كذا اختيار وبناء علي اختيار القاري هيكمل القصة بطريقة مختلفة. انا حاسسها كده. ان رينا في كل موقف مدينا كذا اختيار وبناء علي الاختيار الحر لينا بنكمل حياتنا للموقف اللي بعده اللي هو بكذا اختيار برده وكل اختيار فيم بحياه مختلفة وهكذا.
اسف لو كنت طولت عليكي بس انا حاسس ومقدر الحيرة اللي انتي فيها وحبيت اشارك معاكي افكاري.
Unknown person to you

P A S H A يقول...

كل سنة وحضرتك طيبة وبألف خير وصحة وسعادة ورضا وراحة بال وسلام وإن شاء الله يكون عام جديد سعيد عليكي وعلى أسرتك الكريمة وتحققين فيه كل ما تتمنين
:)

أطيب تحياتي

سميحة ميحة يقول...

نورتنى وشكرا جداا على امنياتك الجميله دى :)