الأحد، 3 نوفمبر 2013

خلف الأسوار





في الأمس عندما كنت طفلة كانت كلمات أمي محددة وموضوعية  في أولى رحلاتي للعالم الخارجي !

فلتحذري الرجل الثلاثينى  فما فوق! لا ضير أن تتعاملي معه لكن بحذر!, أما من كان دون ذلك سنا فلن يشكل داخل عقلك اي هجوم فلا تخافى منه , فالنساء في أي سن كن سيحبونك كدمية لديهم أو كطفلة يتمنين اقتناءها وسيراعونك في غيابي ,اما الأطفال الصغار وحتي العشرين عامليهم كأصدقاء لطيفين ولكن حاذري على ساندوتشاتك وما شابهها من ممتلكاتك الخاصة, فهم يشاركونك نفس الاهتمامات تقريبا فتعايشي بود تشوبه الحيطة.

عندما استفقت على حالي أكبر قليلا, وانتقلت إلى مدارس أعلى وصار من المسموح لي ان اذهب بمفردي إلى المدرسة, إتسعت دائرة التحذيرات لتشمل النساء التي تكبرني سنا, فقد صرت مطمعا لهن كجسد يغوي الرجال يصلح ان يباع بالبخس, حتى إن ارتكز الامر على  سرقة حلق أذني فهذه خسارة فادحة في قانون أمى ، ومع استمراري في النمو,استمرت والدتي في توسيع دائرة التحذيرات المرا فقة لكل فئة عمرية وتوجه عام أحتك به على مدار يوم,. حتى جاءت الطامة الكبرى ببدء بث برنامج خلف الأسوار وما شابهه من البرامج  تجعلك بكل وعي منك تدرب حالك على نسيان السيناريو الخير, بل  التلذذ وإختبار مدى عبقريتك في خلق السيناريوهات الاسوء.

يوهموننا أنه بتلك الطريقة نحمي أنفسنا بتوقعنا الخطوة الأولى للمجرم ، وفي هذا التوقيت تحديدا كانت رقعة المشتبه بهم وتحذيرات أمي قد توحشت لتقضي على الأخضر واليابس ,وصار من وجهة نظرها ان تلك هي الآلية الوحيدة لحمايتي, بأن تغذي عقليتي من وقت لآخر بسيناريوهات مبتكرة العمق في قانون (ماذا لو!).

 أشرفت بود و تفانى و حب جنونى  فى توسيع دائرة سيناريوهاتى المتوقعة نحو الجميع, الذين صاروا في ليلة وضحاها مشتبها بهم لتكدير صفو حياتى الهانئة .

 كنت اشعر بالشفقه نحوها ,كنت أتفهم تماما مرجعية تصرفاتها تلك, فهى تحبنى و تخاف علي حد الجنون و تريد ان تحمينى قدر الإمكان كما تكره ان تقيدنى لأظل امام عينيها قابلة للمراقبة وتصحيح المسار طيلة الوقت, تريد لى ان انمو لأصبح مؤثرة في مجتمع لا يشبهنى و في نفس الوقت تخاف علي من الإحتكاكات المرهقة لي ,كانت الإزدواجية بين احتياجاتها وواجبها في خلق كائن مؤثر في المجتمع تقلقها ليال طوال على مرأى مني حيث يعز عليها النوم وتفاجئنى بأسألة غريبة في أوقات أغرب عن اشياء اغرب واغرب من منطلق قانون(ماذا لو!) , كانت كل رغبتها ان تتأكد انى جاهزة لخوض تلك الحياة وحدي قدر الإمكان دون ان تقيدنى بخوفها فتكون سببا في ان اموت وحيدة!

حاولت ان تنقل لي توجسها من وقت لأخر, وحاولت بذكاء المرأة الذي اقدره لديها ان تحول الأمر إلى لعبة مسلية نضيع بها الوقت, كنا بين الحين والآخر نتبارى في خلق السيناريو الأكثرإلتواء وسينمائية ,وبهذا ظهرت لعبتنا الأبقى والخاصة بوسائل المواصلات ,لعبة (الحاسة السادسة) ,

كانت تقترح مجموعة من المعطيات لحدث غريب و تسألني ماذا كنت لأفعل لو مررت بموقف كهذا , في البدء كانت القصص بسيطة, على سبيل المثال: أن يستوقفني أحد المارة ليسأل عن مكان ما ,لكن مع الوقت أصابت قصصها نفس عدوى العمق والإلتواء التي تتحفنا بها مذيعة برنامج خلف الأسوار , أخبرتني أمي في يوم ما حين أصابتني نوبة ضيق من اسئلتها المتكررة المستفزة لعقلى بعد ان اصبحت واعية بالقدر الكافي فلم أعد أصدق أنها مجرد لعبة لتقضية الوقت في وسائل المواصلات ، أخبرتني أمى وكأنها ساحرة تفضح لى سر المعبد المهجور,لا زلت اذكر رنة صوتها و هى تخبرنى بصدق تام كافي لإسكات أي عصب متسائل في عقلى ,
قالت:- تلك الحاسه السادسه صفة تختصنا نحن معشر النساء ,طالما انك سيدة فأنت تمتلكينها ,وهي الاستشعار عن بعد او شفافية الشعور بالحدث قبل وقوعه , لكنها مكتسبة وإكتسابك لها ومدى جدارتك بها يأتى من التدريب  فتنمو معك اكثر واكثر ,لكن إن اهملتها فأنت لا تستحقين إمتلاكها ستنزوي عنك و حينها انت الخاسرة الوحيدة.

بهذه الطريقه إستطاعت ان تجذب إنتباهي انا الطفلة ذات العشر سنين , بل تركتنى صامتة اتدرب علي نفس النهج حتي استحق تلك الحاسة السادسة المكتسبة بالتعلم, والتي هي من حقي ان آجلا او عاجلا لكوني إمرأة, لكنى رغم ذلك سأتدرب وأتدرب حتى أستحقها  بجدارة ....

تابعت النمو دون قصد و صارت معطيات العالم من حولى أكثر إرهاقا, وأنا على نفس نهج أمى فى توقع كل السيناريوهات السيئة التى قد يفاجئنى بها الكوكب فى كل خطوة قد أخطوها نحو يوم جديد فيبدأ عقلي في تهدأتى و توقع حل أو مخرج لتلك الأزمة التى توقعتها من الأساس وصار اليوم أثقل من ان يحتمل!.

تفاجأت أمى من رفضى الزواج و خوفي من إنجاب أطفال ولم تتوقع ردي حين أخبرتها أننا ضحيه لنظام ماسونى لم يكفيه ثوره يناير لنتخلص منه بينما دربنا لثلاثين عاما ان الجلوس خلف الاسوارهو الأمان الكامل !.

منذ يومين قرأت أن العالم ينهار وأن كائنات فضائية تعرض أن تحتل الكوكب ,لم قد أهتم فقد إنهار عالمي منذ ان أذيع برنامج خلف الأسوار ومنذ ذلك اليوم تركونى هناك خلف تلك الأسوار الرثة اعانى فوضى الإحتمالات وحدى!!!


لنك المقاله فى جريدة الوطن :)
http://www.elwatannews.com/news/details/385585



هناك تعليقان (2):

abdallah mortada يقول...

برافو :)

غير معرف يقول...

في كام كلمة ما تبقيش سميحة لو ما استخدمتيهمش
الطبيعي بتاعك سردك ممتاز و ممتع
بس فيه عوامل تانية غير الخوف و السيناريوهات المخيقة هو اللي مأثر عليكي


Moha Gem