الاثنين، 22 ديسمبر 2025

هذا القناع مُعدّ للالتهام

تساءلت، وهي تختلس النظرات بين هاتفها والطريق، إن كان السائق يتحدث إليها أم إلى أحدٍ آخر. ثم قررت ألا تسأله. تركته لخيبة الأمل إن كان يخاطبها بالفعل، وإن كانت هناك سماعة تتدلّى من أذنيه لا تراها… فليكن مؤنسًا بمن يحادثه على الهاتف.
هي لا ترغب في مؤانسة أحد.
هي صامتة، وتودّ أن تظل كذلك.
رنّ هاتفها بمكالمة لا تريد خوضها مع أحدٍ من المقرّبين. للمرة الثانية تحتار بين نداء الواجب ورغبتها العارمة في الصمت.
تجيب، تتحدث ببطء. يطلب منها الطرف الآخر أن ترفع نبرة صوتها، فترد بتهذيبٍ مصطنع أنها تعاني من صداع ولا ترغب في الحديث. يتصنّع التفهّم، بينما تتقبّله هي على أي حال.
الأهم أن تُترك وحيدة هنا، مع موسيقاها الهادئة، ومع الأفكار التي تتناوب على عقلها دون استئذان.
قال لها المعالج النفسي: استسلمي لأفكارك، لا تُسْكِتيها ولا تكبتيها. اصغي لها وحاولي احتواءها. قالها ببساطة، كأنه يطلب منها غسل يديها قبل الطعام وبعده.
طلب منها أن تواجه الوحش… متسلّحة باللا شيء.
ترنّ في أذنها جملة لا تتذكر أين سمعتها:
«ولا صُحبة أحلى من تجلّي الذات ولا حضن أدفى من ونس في النفس".تشعر بالامتنان للكون على ونسة بجملة حانية تربت على ظهرها قليلا....ثم تغوص من جديد في العمق الأزرق القاتم الذى يمتد إلى الما لا نهاية.

تنظر إلى الطريق، وتدرك أنها اقتربت من المنزل.
إذًا، قناع الفتاة المتفهّمة الحنونة على وشك أن يُرتدى.
تتنهد بأسى؛ فهي، بشكلٍ أو بآخر، تسرق لحظاتها مع نفسها.
ثم تتذكر أن الأُنس نعمة… لكنها لا تحتاجه الآن.
الآن لا تريد سوى العزلة، لساعة واحدة فقط، بعدما تحلّت أخيرًا بالشجاعة وقررت أن تنفرد بأفكارها الصاخبة.
في جلسات السيكودراما، أرشدونا إلى أن نعطي لمشاعرنا أشكالًا وألوانًا، وأن هذه الطريقة تُسهّل مصاحبتها ورؤيتها.
لكن مشاعرها غاضبة منها، من طول إهمالها. وتوقن أنه إن حاولت إلباسها أي لون، فستقذفه في وجهها، كطفلة ترفض ارتداء ملابسها، وتصرخ بدلًا من أن تمتّن للون الذي اختارته لها.
يخبرها «جوجل ماب» أن دقائق قليلة وأمتارًا معدودة تفصلها عن وجهتها.
تسحب نفسًا عميقًا، وتتهيأ لارتداء القناع، في مشهد يشبه تحوّل جيم كاري في فيلم The Mask.
تتساءل: ما لون قناعي؟
هل هو أخضر؟ أم ماذا؟
قناعها خامد، مُعلّب، يترك لها حرية الاختيار.
فليكن أرجوانيًا.
أنيقًا، غير صاخب، مُفرحًا، يوحي بالرزانة والجديّة والحنوّ الأمومي المطلوب.

هذا قناع مُعدّ للالتهام.
بالهنا والشفا لمن حولي…
والرحمة لروحي القابعة تحته.