كأن عقلي تحوّل إلى مهندسٍ بارع في الخراب، يتطوّع باقتراح الشرور وصياغة الحِيَل، يمدّني بسبلٍ دقيقة تجعل الأسوأ أكثر سوادًا، وكأن في داخلي من يتلذّذ بتعميق الجُرح وإحكام فوضاه.
أحاول أن أقاوم هذا الانحدار، أُحاور نفسي كما لو كنت أواجه خصمًا ماكرًا يعرف كل نقاط ضعفي. أذكّرها بأن الشر فكرة، وأن الفكرة يمكن أن تتبدّد إذا لم أتعلّق بها. لكنّ الأصوات تهمس بإغواءٍ خفيّ: وماذا لو جرّبت؟ ماذا لو دفعت الأمور قليلًا نحو الحافة؟
أدرك أنّها ليست رغبة حقيقية في الخراب، بل عطشٌ مموَّه للسيطرة؛ كأنني أريد أن أسبق القدر فأُفسد المشهد بيدي، لأثبت أنّ النهايات السوداء من صُنع إرادتي لا من قسوة العالم.
أتنفس ببطء، أُمسك بالقلم، أكتب كل ما يخطر، لعل الحروف تحوّل العاصفة إلى سطورٍ قابلة للاحتواء. وفي لحظاتٍ نادرة، أشعر أنّ الضوء الخافت الذي يتسرّب من نافذة صغيرة في قلبي ما زال قادرًا على فضح هذا الظلام… يذكّرني أن الخراب، مهما بدا آسرًا، ليس سوى عابرٍ إذا لم أفتح له الباب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق