الأحد، 14 سبتمبر 2025

السيناريو الأسوأ

أفكارٌ هدّامة تتناوب على رأسي بلا هوادة. لم يَعُد ذهني يكتفي بتوقّع أسوأ السيناريوهات كما كان يفعل من قبل، بل تطوّر – أو بالأحرى تدهور – حتى صار يبتكر طرقًا لتحويل كل موقفٍ حاضر إلى ما هو أتعس وأشد قسوة.
كأن عقلي تحوّل إلى مهندسٍ بارع في الخراب، يتطوّع باقتراح الشرور وصياغة الحِيَل، يمدّني بسبلٍ دقيقة تجعل الأسوأ أكثر سوادًا، وكأن في داخلي من يتلذّذ بتعميق الجُرح وإحكام فوضاه.

أحاول أن أقاوم هذا الانحدار، أُحاور نفسي كما لو كنت أواجه خصمًا ماكرًا يعرف كل نقاط ضعفي. أذكّرها بأن الشر فكرة، وأن الفكرة يمكن أن تتبدّد إذا لم أتعلّق بها. لكنّ الأصوات تهمس بإغواءٍ خفيّ: وماذا لو جرّبت؟ ماذا لو دفعت الأمور قليلًا نحو الحافة؟

أدرك أنّها ليست رغبة حقيقية في الخراب، بل عطشٌ مموَّه للسيطرة؛ كأنني أريد أن أسبق القدر فأُفسد المشهد بيدي، لأثبت أنّ النهايات السوداء من صُنع إرادتي لا من قسوة العالم.

أتنفس ببطء، أُمسك بالقلم، أكتب كل ما يخطر، لعل الحروف تحوّل العاصفة إلى سطورٍ قابلة للاحتواء. وفي لحظاتٍ نادرة، أشعر أنّ الضوء الخافت الذي يتسرّب من نافذة صغيرة في قلبي ما زال قادرًا على فضح هذا الظلام… يذكّرني أن الخراب، مهما بدا آسرًا، ليس سوى عابرٍ إذا لم أفتح له الباب.

الأربعاء، 10 سبتمبر 2025

نافذة

غرفتي ذات نافذتين تطلّان على منورين منفصلين من بيت جدّي، ذاك البيت العتيق المليء بالمناور. بعد أول دروسي في العمارة ناقشت والدي عن سرّ ولع جدّي بتكرارها، فأوضح لي أنّ للمنور شأنًا كبيرًا في زمنٍ مضى؛ فهو ساحة النساء للنوادر والحكايات، ولغسل الثياب ثم نشرها. ولهذا حرص جدّي، القاطن في الطابق الأرضي، أن يقتطع لنفسه أوسع المساحات من المناور، تاركًا أبناءه في الطوابق العليا يختنقون بشقق صغيرة لا ترى غير مربّعات ضيّقة من السماء.

نافذتي الأولى كانت بابًا للظلمات؛ منها يتسرّب إليّ صرير الفئران وهي تتسلق الجدران، فتترك في جسدي قشعريرة لا تهدأ. وأما الثانية، فكانت بوابتي إلى اللانهاية وما بعدها. تقع في ضلع قصير لمنور مستطيل يمتد طويلًا، فيمنحني زاوية بانورامية تنتهي بسماء واسعة، تتناثر فوقها غيوم خفيفة وزغب حمامٍ صغير يمرح فوق أسطح الجيران.

أول رسائلي الغرامية لا تزال تسكن أرضية ذلك المنور؛ ألقيتها من النافذة متمنية أن يحملها الهواء إلى محبوبي الخرافي، عابرًا المسافات والحواجز وحتى الزمن. كنت أصلّي أن تقع بين يديه في اللحظة المناسبة، وأن أعرف يقينًا حين القاه كونها اللحظة الموعودة. هكذا صادقت نافذتي ذات الستائر البرتقالية، المتطايرة بغنوجة مدللة، تبعث في الغرفة روحًا مرحة لا تزال تهيمن على ذاكرتي حتى اليوم.

وعند حافة تلك النافذة نفسها، كنت أمتلك ما لم يمتلكه جدّي ولا أبي؛ لقد حازا الأرض والمناور، أما أنا فامتلكت السماء. أجلس طويلًا أُناجي الله، أترقّب شهابًا عابرًا يوثّق أن دعائي قد وصل، ويؤكد أن السماء، رغم ضيق المنافذ، أوسع من كل الجدران.


الاثنين، 8 سبتمبر 2025

كيف حالك؟

تعلمت أن أحافظ على صدقي في جوهر ردودي، لكنني أتقنت أيضًا فنّ انتقاء المساحيق اللغوية والوجدانية، أضعها بمهارة على ملامح كلماتي، كلٌّ بحسب السائل عن أحوالي. هكذا أظل صادقة، لكن في ثوب من حذرٍ وشاعرية تتناسب مع تجربتى....

سبتمبر - ٢٠٢٥