الاثنين، 18 أغسطس 2025

رسائل الرحمة المؤجَّلة"رسالة رقم ٢"


عزيزتي،

بدأت رسالتي السابقة بـ "حبيبتي"، لكني وجدت أن "عزيزتي" أقرب لما أقصده. ربما هو جنون الريبة والخوف من أحكام الآخرين من يتحدث الآن من خلالى، لكن فلتكن "عزيزتي" منذ اليوم.

علمت البارحة أني مصابة بإحدى متحورات كورونا الجديدة، يدعى دلتا. للاسم في حد ذاته وقع جميل، لكنه يتناقض تمامًا مع ما يفعله داخلي بينما يسعى في جسدي فسادًا مدمرا خلاياي المرهقة. أخبرتني الطبيبة الخبر بوجه هادئ، فيما واجهتها أنا بملامح جامدة، كأنني لا ابالى. والحقيقة أني كنت أصرخ من الداخل: "كفااااية!"، لا لأن بيدها صافرة النهاية وتستطيع، بل لأنني أردت أن أفرغ تلك الطاقة المكبوتة والغضب المتراكم.

لم أفعل. فما ذنبها؟ تركتها، وأنا أغرق في شعور بالرثاء لحالي. معدتي منهكة من كثرة الأدوية، جسدي يتهالك تحت أيادٍ متعددة: غضب ديسكات ظهري ورقبتى، عصبية قولونى -البراوى-، صداع عقلى النصفي الذى لا يهدأ… وها هو القوس يزاح ليضم بين حوافه "المتحور الكيوت المسمى دلتا".

أتعلمين؟ أنا أغضب حين يهاجمني المرض. أغضب وأفقد ثقتي بقدرات جسدي، كأن علاقتي به – وهي في الأصل حساسة ومعقدة – تجد في كل علة جديدة سببًا إضافيًا للتمزق.
لا اريد ان اتمزق، اخاف ان اتمزق والأكثر من موعد التمزق، من تجربتى فدوما ما كان التوقيت غير مناسب إطلاقا.

أطلتُ في رثائي لذاتى، ولا أريد لرسالتي أن تنقل إليك طاقة سلبية. الحقيقة أنني سعيدة… أو على الأقل أحاول أن أبدو كذلك. وكعادتي أقول: fake it till you make it. أجل، لا زالت تلك هي تميمتي للايام.

اليوم فعلت شيئًا مختلفًا؛ أيقظت المخبر شارلوك هولمز الكامن داخلي، وتتّبعت الخيط حتى النهاية. كنت قد نسيت نشوة هذا الانتصار؛ نشوة أن يستيقظ ذلك المحقق الشبق بالتحليل ثم التحليل. فلم ينجح أي شيء مؤخرًا في إثارة حفيظتي لأفكر، ملل متوقَّع، فأنت تعلمين أنني مدمنة على توقّع أسوأ السيناريوهات، والعالم لا يبخل علينا بالأسوأ أبدًا. لكن الجميل حقًا أنّي شعرت وكأن عقلي قرر أن ينتصر حيث خانني جسدي. الحمد لله.

لكِ كل الحب،
أنا.


ليست هناك تعليقات: